منتدى التقافة و العلوم
أهلا و سهلا بك زائرنا العزيز في منتدى الثقافة و العلوم و نتمى أن لا تبخل علينا بالإنضمام حتى تعم الفائدة.
منتدى التقافة و العلوم
أهلا و سهلا بك زائرنا العزيز في منتدى الثقافة و العلوم و نتمى أن لا تبخل علينا بالإنضمام حتى تعم الفائدة.
منتدى التقافة و العلوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التقافة و العلوم

منتدى متميز
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلcoraanHMLدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم

دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
قائمة مواقع صديقة

احاديث نبوية

المصطفى من سيرة المصطفى Collapse_tcat$vbcollapse[collapseimg_forumhome_statistics] ** حديث شريف ** عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال **

المصطفى من سيرة المصطفى Support

It Is Time to know Muhammad
___________
Il est temps de savoir Le Prophète Muhammad
___________

___________

اختبر محبتك


 

 المصطفى من سيرة المصطفى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
netislamic
مستشار
مستشار



عدد المساهمات : 207
نقاط : 27757
تاريخ التسجيل : 25/01/2010
العمر : 31

المصطفى من سيرة المصطفى Empty
مُساهمةموضوع: المصطفى من سيرة المصطفى   المصطفى من سيرة المصطفى I_icon_minitimeالسبت 6 فبراير - 4:58

مقــدمــة:

بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِين، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِين ، أَمَّا بَعْد ..

فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَة وَزُبْدَةٌ مُعْتَصَرَةٌ مِنْ سِيْرَةِ سَيِّدِ الْخَلْقِ صلى الله عليه وسلم، انْتَقَيْتُهَا مِنْ كُتُبِ السِّيَر، وَحَرَصتُ عَلَى ذِكْرِ الْمَغَازِي وَالبُعُوث، وَاجْتَهَدْتُ في ذِكْرِ تَارِيْخِ كُلِّ حَدَث، مَعَ اخْتِصَارِ العِبَارَة، لِتَكُونَ زُبْدَةً يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُبْتَدِي، وَتَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي، وَزَاداً لِلْمُقْتَدِي .



وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا، وَأَنْ يَجْعَلَهَا ذُخْراً لِكَاتِبِهَا وَكُلِّ مُطَّلِعٍ عَلَيْهَا، إِنَّهُ خَيْرُ مَسْؤُول .

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد .









هُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، مُحَمَّدُ وَأَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِه، وَالْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِهِ الكُفْر، وَالعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيّ، ابْنُ الذَّبِيْحِ الثَّانِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَهُوَ شَيْبَةُ الْحَمْد) ابْنِ هَاشِمٍ ، القُرَشِيُّ صلى الله عليه وسلم .



ذَكَرَ كَثِيْرٌ مِنْ الْمُؤرِخِينَ أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الفِيْل وَمَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ وِلاَدَتِه، وَاسْتُرضِعَ لَهُ في بَنِي سَعْد، فَأَرضَعَتْهُ حَلِيْمَةُ السَّعدِيَّة، وَأَقَامَ عِنْدَهَا أَرْبَعَ سِنِين، وَشُقَّ عَنْ فُؤادِهِ هُنَاك، فَأَرْجَعَتْهُ إِلَى أُمِّهِ بِمَكَّة، فَخَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى أَخْوَالِهِ بِالْمَدِيْنَة فَتُوفِيَتْ وَهِي رَاجِعَةٌ بِالأَبْوَاء، وَلَهُ سِتُّ سِنِين، فَحَضَنَتْهُ مَوْلاَتُهُ الَّتِي وَرِثَهَا عَنْ أَبِيْه، وَهِيَ أُمُّ أَيْمَن، وَكَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَنَتَيْنِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِب، فَكَفَلَهُ وَأَحَاطَهُ أَتَمَّ إِحَاطَة، وَخَرَجَ بِهِ إِلَى الشَّامِ في تِجَارَةٍ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَة، فَرَأَى آيَاتٍ عَجِيْبَةٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ مِثْلَ: تَظْلِيْلِ الغَمَامَةِ لَه، وَمَيْلِ الشَّجَرَةِ بِظِلِّهَا إِلَيْه، وَوَصِيَّةِ بَحِيْرَا الرَّاهِبِ عَمَّهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ خَوفاً عَلَيْهِ مِنْ يَهُود، ثُمَّ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الشَّامِ في تِجَارَةٍ لِخَدِيْجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَعَ غُلاَمِهَا مَيْسَرَة، فَرَأَى مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَهَرَه، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ سَيِّدَتَهُ خَدِيْجَة، فَرَغِبَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَة .



وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ بَيْنَ قَومِهِ بِالأَمِيْنِ وَالصَّادِق وَقَدْ حَمَاهُ اللهُ وَطَهَّرَهُ مِنْ أَرْجَاسِ الْجَاهِلِيَّة .



ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَء، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِيْنَ سَنَة، وَجَاءَهُ الوَحْيُ وَهُوَ هُنَاك. قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:

أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْم، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَء، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاء، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَة، ثُمَّ أَرْسَــلَنِي، فَقَالَ: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُه، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ! فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْع، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَر: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ –وَاللهِ- مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ ابْنَ نَوْفَلِ، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِي، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمّ ! اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيك، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي ! مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُك !



فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَوَمُخْرِجِيَّ هُم ؟ قَالَ: نَعَم. لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِي، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْي، قَالَ صلى الله عليه وسلم: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض، فَرُعِبْتُ مِنْه، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ] إِلَى قَوْلِهِ [وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ] فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَع.

وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّه مِنْ هَجْرِ الأَوْثَان، وَالدَّعوَةِ إِلَى إِفْرَادِ العِبَادَةِ لِلْمَلِكِ الدَّيَّان، فَأَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَآزَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا النَّاسَ مَعَه، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدٌ رضي الله عنه ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِيْن. وَاشْتَدَّ الأَذَى عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ آمَنَ مَعَه حَتَّى كَانُوا يَضَعُونَ الصَّخْرَةَ العَظِيْمَةَ عَلَى صَدْرِ أَحَدِهِمْ، وَقَتَلُوا بَعْضَهُم، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِذَا عَلِمَ بِعَبْدٍ مُؤمِنٍ يُعَذَّبُ اشْتَرَاهُ مِنْ مَولاَهُ وَأَعْتَقَه.

ثُمَّ أَذِنَ اللهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ إِلَى بِلاَدِ الْحَبَشَة، فَهَاجَرَ بِدِيْنِهِ ثَمَانُونَ رَجُلاً وَامْرَأَةً مِنْهُم.

وَفَشَا الإِسْلاَمُ حَتَّى أَسْلَمَ بَعْضُ الصَنَادِيْدِ كَحَمْزَةَ وَعُمَر، فَازْدَادَ أَذَى الْمُشْرِكِيْنَ لَهُم، وَتَعَاهَدُوا بَيْنَهُمْ عَلَى مُقَاطَعَةِ الْمُسْلِمِيْنَ وَمَنْ نَاصَرَهُم، وَحَصَرُوهُمْ في الشِّعْب ثَلاَثَ سِنِين، حَتَّى سَعَى بَعْضُ العُقَلاَءِ لِنَقْضِ هَذَا العَهْد ، فَتَمَّ لَهُمْ ذَلِك.

ثُمَّ تُوفِيَ أَبُو طَالبٍ، وَبَعْدَهُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُوفِيَتْ خَدِيْجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَاشْتَدَّ الْحُزْنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ عَلَّهُ يَجِدُ نَصِيْراً، فَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ الأَذَى، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ في جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِي .

ثُمَّ أُسْرِيَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى عَلَى الْبُرَاق، وَأَمَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلاَم، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَة، وَارْتَفَعَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَتَّى سَمِعَ صَرِيْرَ الأَقْلاَم، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْس، وَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَ قَومَهُ بِمَا رَأَى فَكَذَّبُوه وَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَسُمِّيَ بِالصِّدِّيق.

وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى القَبَائِلِ في الْمَواسِم، وَأَبُو لَهَبٍ – لَعَنَهُ الله – يَقُولُ لِلْنَّاسِ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ كَذَّاب، إِنَّهُ سَاحِر، إِنَّهُ كَاهِن ! فَتَتَحَامَاهُ القَبَائِل إِلَى أَنْ لَقِيَ وَفْداً مِنْ الْخَزْرَجِ جَاؤُوا مِنْ الْمَدِيْنَةِ لِلْحَجّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ فَأَسْلَمُوا، وَعَادُوا إِلَى الْمَدِيْنَةِ يَدْعُونَ إِلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى فَشَا الإِسْلاَمُ هُنَاك، ثُمَّ جَاؤُوهُ في العَامِ الَّذِي بَعْدَه، وَقَدْ زَادَ عَدَدُهُم فَبَايَعُوهُ بَيْعَةَ العَقَبَة، فَأَرْسَلَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ ابْنَ عُمَيْرٍ وَعَمْرَو بْنَ كُلْثُومٍ يُعَلِّمَانِهِمْ الإِسْلاَم.

ثُمَّ جَاؤُوا في العَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقَدْ زَادَ عَدَدُهُم، وَزَعِيْمُهُمْ البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ رضي الله عنه وَكَانُوا ثَلاَثَةً وَسَبْعِيْنَ رَجُلاً وَامْرَأَة، وَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَة، فَاخْتَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ اثْنَي عَشَرَ نَقِيْباً.

ثُمَّ أَذِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِيْنَة، فَخَرَجُوا حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَهَمَّ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتُلُوه، وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ بَابِه، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ لَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ أَحَد، وَتَرَكَ عَلِيّاً رضي الله عنه لِيُؤَدِي الأَمَانَاتِ الَّتِي عِنْدَه، ثُمَّ يَلْحَقُ بِه.

وَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى دَارِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ جَهَّزَ رَاحِلَتِينِ لِلْسَّفَر، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ أُرَيْقِط، عَلَى أَنْ يُوافِيْهِمَا في غَارِ ثَورٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الغَار، وَأَعْمَى اللهُ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمَا، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَحْمِلُ إِلَيْهِمَا الطَّعَام، وَأَخُوهَا عَبْدُ اللهِ يَتَسَّمَّعُ لَهُمَا الأَخْبَارَ وَيْنْقُلُهَا إِلَيْهِمَا، وَجَدَّ الْمُشْرِكُونَ في طَلَبِهِمَا فَلَمْ يَقَعُوا لَهُمَا عَلَى أَثَر، حَتَّى أَنَّهُمْ اجْتَازُوا بِالغَارِ فَلَمْ يَرَوا شَيْئِاً.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: [إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا].

حَتَّى إِذَا خَفَّ الطَّلَبُ خَرَجَا، وَوَافَهُمَا عَبْد اللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِالرَّاحِلَتَينِ فَرَكِبَاهَا، وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ خَادِمَهُ ابْنَ فُهَيْرَةَ، وَابْنُ أُرَيْقِطٍ أَمَامَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدُلُّهُمَا عَلَى الطَّرِيْق، فَلَحِقَهُمَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُم، سَيِّدُ مُدْلِج عَلَى فَرَسِه، يُرِيْدُ جَائِزَةَ الظَفَرِ بِهِمَا، وَهِيَ مَائِةٌ مِنْ الإِبْل، فَرَآهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ رَهِقَنَا، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ قَدَمَا فَرَسِهِ في الأَرْض، فَقَالَ: رُمِيْت! إِنَّمَا أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا، فَادْعُوا اللهَ لِي أَنْ يُخْرِجَ فَرَسِي، وَلَكُمَا عَلَيَّ أَنْ أَرُدَّ النَّاسَ عَنْكُمَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجَتْ رِجْلاَ فَرَسِه، وَأَسْلَمَ عَامَ الفَتْحِ رضي الله عنه.

وَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْمَتِي أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّة فَقَالَ عِنْدَهَا، وَحَلَبَ شَاةً عَجْفَاءَ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم .

وَفي يَومِ الاِثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِيْنَةَ ضُحَى، فَخَرَجَ الأَنْصَارُ إِلَيْهِ بِسِلاَحِهِم، وَحَيَّوهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّة، وَنَزَلَ بِقُبَاء، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهَا.

وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:

((أَيُّهَا النَّاسُ ! أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَم)).

ثُمَّ ارْتَحَلَ فَأَدْرَكَتْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ في وَادِي رَانُونَا، فَنَزَلَ وَصَلَّهَا هُنَاك، ثُمَّ ارْتَحَلَ مُتَّجِهاً إِلَى الْمَدِيْنَة، وَكُلَّمَا مَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ رَغِبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُم، وَهُوَ يَقُولُ: ((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَة)) حَتَّى جَاءَتْ نَاقَتُهُ إِلَى مَوضِعِ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم فَبَرَكَتْ، ثُمَّ قَامَتْ وَسَارَتْ قَلِيْلاً ثُمَّ التَفَتَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا الأَوَّلِ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ وَبَرَكَت، فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ رضي الله عنه وَأَخَذَ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَدْخَلَهُ بَيْتَه، وَاشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْضِعَ مَسْجِدِه، وَبَنَاه، وَبَنَى لأَهْلِهِ حُجَراً في جَانِبِهِ الشَّرْقِيّ.

وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار رضي الله عنه ، وَعَاهَدَ يَهُود؛ وَهُمْ بَنُو النَّضِيْرُ وَبَنُو قَيْنُقَاع وَبَنُو قُرَيْظَة، وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَاباً.

وَلَمَّا اسْتَقَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِيْنَة، وَتَعَاهَدَ الأَنْصَارُ عَلَى نُصْرَتِهِ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ رَمَتْهُمُ العَرَبُ عَنْ قَوسٍ وَاحِدَة، فَأَذِنَ اللهُ لَهُمْ بِالْجِهَاد، وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيْرٌ].

ثُمَّ أَنْزَلَ: [كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ].

فَكَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَة الأَبْوَاء)) في صَفَر مِنْ العَامِ الثَّانِي، وَلَمْ يَلْقَ حَرباً.

ثُمَّ بَعَثَ عَمَّهُ حَمْزَةَ رضي الله عنه في ثَلاَثِيْنَ رَاكِباً لِلِقَاءِ أَبي جَهْلٍ وَهُوَ عَلَى سِيْفِ البَحْر، فَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَجدِيُّ ابْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ، لأَنَّهُ كَانَ مُوَادِعاً لِلْفَرِيْقَين.

ثُمَّ بَعَثَ صلى الله عليه وسلم عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ رضي الله عنه في سِتِّينَ رَاكِباً إِلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ لِلِقَاءِ جَمْعٍ عَظِيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْل، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إِلاَّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه رَمَى بِسَهْم، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ في سَبِيْلِ الله.

ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَةَ بُوَاط)) في رَبِيْعٍ الآخِر، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.

ثُمَّ غَزَا صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَةَ العُشَيْرَة)) بِيَنْبُع في جُمَادى الأُوْلَى، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.

وَبَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِيْنَةِ فَخَرَجَ صلى الله عليه وسلم في طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ نَاحِيَةَ بَدْرٍ، فَفَاتَهُ كُرْزٌ، وَسُمِّيَت تِلْكَ الغَزْوَةُ بـ((بَدْرٍ الأُوْلَى)).

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ رضي الله عنه في نَفَرٍ إِلَى نَخْلَةَ لِيَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشاً، فَهَاجَمُوا قَافِلَةً لَهُم، وَقَتََلُوا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ وَالْحَكَمَ، وَفَرَّ رَابِعُهُم، وَقَدِمُوا بِالغَنِيْمَةِ إِلَى الْمَدِيْنَة، فَلاَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، لأَنَّهُ مَا أَرْسَلَهُمْ لِقِتَال، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ قَتَلَ وَأَسَرَ وَغَنِمَ وَخَمَّس.

وَفي شَعْبَانَ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَحْوِيْلِ القِبْلَةِ إِلَى مَكَّة، وَفَرِضَ الصِّيَامَ وَزَكَاةَ الفِطْر.

وَفي رَمَضَانَ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عِيْراً لِقُرَيْشٍ مُقْبِلَةً مِنْ الشَّامِ صُحْبَةَ أَبِي سُفْيَان، فَنَدَبَ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَخَرَجَ في ثَلاَثِ مِئَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ مُسْتَصْرِخاً لِقُرَيْش، فَخَرَجُوا بِخُيَلاَئِهِمْ وَفَخْرِهِمْ وَمَعَهُمْ بَعْضُ القَبَائِل، في قَرِيْبٍ مِنْ أَلْفٍ مُقَاتِل كَمَا قَالَ تَعَالَى: [بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ] فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ في مُلاَقَاةِ الْمُشْرِكِينَ فَأَشَارُوا بِذَلِك، فَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَعَزَمَ عَلَى لِقَاءِ العَدُو، وَنَزَلَ مَاءَ بَدْر، فَعَلِمَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ فَعَدَلَ بِالْعِيْرِ إِلَى طَرِيْقِ السَّاحِلِ وَنَجَا بِهَا، وَأَصَرَّ أَبُو جَهْلٍ عَلَى القِتَال، وَالتَقَى الْجَيْشَانِ في السَّابِعِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَان، وَأَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِين، فَقَتَلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ وَغَنِمُوا، وَعَادُوا إِلَى الْمَدِيْنَة.

ثُمَّ خَرَجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى غَزْوِ بَنِي سُلَيْمٍ بَعْدَ بَدْرٍ بَسَبْعَةِ أَيَّام، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.

وَفي ذِي الْحِجَّةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلِقَاءِ أَبِي سُفْيَانَ فَهَرَب، وَسُمِّيَتْ ((غَزْوَةَ السَّوِيق)) لأَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَخَفَفُوا مِنْ أَزْوَادِهِمْ مِنْ السَّوِيق.

وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَوَاتٍ بَعْدَها؛ وَمِنْهَا: ((ذُو أَمَرّ)) وَ((بَحْرَان)) وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.

ثُمَّ نَقَضَتْ يَهُودُ –كَعَادَتِهَا- العَهْد، حَيْثُ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مِسْلِمَةٌ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاع، وَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ يَصْنَعُ لَهَا حُلِيّاً، فَأَخَذَ اليَهُودُ يُحَاوِلُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَت، فَجَاءَ أَحَدُهُمْ مِنْ خَلْفِهَا –وَهِيَ لاَ تَشْعُرُ- فَعَقَدَ طَرَفَ ثَوبِهَا إِلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ عَورَتُهَا، فَتَضَاحَكُوا، فَصَاحَت، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَ الصَّائِغ، فَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ يَهُودُ فَقَتَلُوه، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهَمَّ بِقَتْلِهِمْ وَكَانُوا سَبْع مِئَةِ رَجُل، لَوْلاَ تَدَخُلُ رَأْسِ النِّفَاقِ؛ عَبْد ِاللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُول، وَطَلَبُهُ العَفْوَ عَنْهُم، فَأَجْلاَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَذْرعَاتِ الشَّام.

وَفي شَوالَ مِنْ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَقَعَتْ غَزْوَةُ أُحُد، وَهِيَ غَزْوَةٌ ابْتَلَى اللهُ فِيْهَا الْمُؤْمِنِين، وَذَلِكَ أَنَّ قًرَيْشاً أَرَادَتْ الانْتِقَامَ مِمَّا وَقَعَ لَهَا في بَدْر، فَجَمَعَ أَبُو سُفْيَانَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ مُقَاتِلٍ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمَدِيْنَةِ وَنَزَلَ أُحُداً، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ في الْخُرُوجِ إِلَيْهِم، فَأَشَارَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَأَصَرُّوا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِيْنَة، وَمَعَهُمْ رَأْسُ النِّفَاقِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُول في ثَلاَثِ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِه، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ انْخَزَلَ رَأْسُ النِّفَاقِ في أَصْحَابِه، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَبْعِ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَ أُحُداً وَالتَقَى الْجَيْشَان، وَكَانَتْ الدَّولَةُ في أَوَّلِ النَّهَارِ لِلْمُسْلِمِين، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُون، وَظَنَّ الرُّمَاةُ أَنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا فَنَزَلُوا لِلْغَنِيْمَة، فَاغْتَنَمَ خَالِدٌ نُزُولَهُمْ وَكَرَّ رَاجِعاً عَلَى الْمُسْلِمِين، فَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قُتِلْ، وَجُرِحَ مَنْ جُرِح، وَجُرِحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ اليُمْنَى السُّفْلَى بِحَجَر، وَهُشِّمَتْ البَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ الْمُقَدَّس، وَرَشَقَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّه، وَسَقَطَ في حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الَّتِي حَفَرَهَا أَبُو عَامِرٍ الفَاسِق، وَنَشَبَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ في وَجْهِهِ الشَّرِيْفِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْتَزَعَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ رضي الله عنه بِأَسْنَانِهِ حَتَّى كُسِرَتْ ثَنِيَّتَاه، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ فَحَالَ دُنَهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلُوا، فَجَاءَ طَلْحَةُ رضي الله عنه حَتَّى أَجْلاَهُم، وَتَرَّسَ أَبُو دُجَانَةَ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِهِ وَالنَّبْلُ يَقَعُ فِيْه، وَهُوَ لاَ يَتَحَرَّكُ رضي الله عنه ، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ: قُتِلَ مُحَمَّد ! فَوَقَعَ ذَلِكَ في الْمُسْلِمِينَ مَوقِعاً مُؤْلِماً، فَفَرَّ كَثِيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِه، فَتَحَامَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ وَقَامَ حَتَّى رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، فَلَمَّا رَأَوهُ صَاحُوا، وَاجْتَمَعُوا مَعَهُ إِلَى الشِّعْب ، فَجَاءَ أُبَيُّ ابْنُ خَلَفٍ عَلَى جَوَادِهِ يُرِيْدُ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَرْبَةٍ في تُرْقُوَتِهِ مَاتَ عَلَى إِثْرِهَا بِسَرِف.

وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَومَئِذٍ سَبْعُون، وَمِنْ الْمُشْرِكِيْنَ اثْنَانِ وَعِشْرُون.

وَمَا أَشْرَقَتْ شَمْسُ اليَومِ التَّالِي حَتَّى نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ لِلْخُرُوجِ في أَثَرِ الْمُشْرِكِينَ إِرْهَاباً لَهُم، وَهِيَ ((غَزْوَةُ حَمْرَاء الأَسَد)) وَقَتَلَ فِيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيْرَة.

ثُمَّ كَانَ ((بَعْثُ الرَّجِيْع)) في صَفَر، سَّنَةِ أَرْبَع، وَفِيْهِ غَدَرَ بَنُو لِحْيَانَ بِالصَّحَابَة، وَفِيْهِ كَانَ ((بَعْثُ بِئْرِ مَعُونَة))، وَفِيْهِ غَدَرَتْ عُصَيَّةُ وَرِعْلٌ وَذَكْوَانُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِخِيَارِ قُرَّاءٍ أَرْسَلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي عَامِرٍ لِيُعَلِّمُوهُمْ الإِسْلاَم، وَكَانُوا سَبْعِيْنَ صَحَابِيّاً، فَقَتَلُوهُمْ غَدْراً، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْراً يَدْعُو عَلَيْهِم.

ثُمَّ أَرَادَتْ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ –كَعَادَتِهِمْ- الغَدْرَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ هَمُّوا بِرَمِيِّ رَحَىً مِنْ صَخْرٍ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَ حَائِطٍ لَهُم، فَجَاءَهُ الوَحْيُ يُخْبِرُهُ بِغَدْرِهِم، فَقَامَ وَدَخَلَ حَائِطاً قَرِيْباً مِنْ الْمَدِيْنَة، وَأَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِكَيْدِهِم، وَنَدَبَ الْمُسْلِمِينَ لِقِتَالِهِم، وَذَلِكَ في رَبِيْعٍ الأَوَّل، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَال، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَدِيْنَةِ إِلَى خَيْبَرَ وَالشَّام، وَأَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْهُ ظُهُورُ إِبِلِهِمْ مِنْ مَتَاعٍ غَيْرَ السِّلاَح.

وَفي جَمَادَى الأُوْلَى كَانَتْ ((غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ الأُوْلَى)) بِنَجْد، خَرَجَ فِيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلِقَاءِ غَطَفَان، وَلَمْ يَقَعْ قِتَال، وَوَقَعَتْ ((ذَاتُ الرِّقَاعِ الأُخْرَى)) بَعْدَ خَيْبَر.

وَفي شَعْبَانَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَدْر، لِمَوعِدَةٍ وَعَدَهَا أَبُو سُفْيَانَ الْمُسْلِمِين: أَنَّ مَوعِدَكُمْ مِنْ قَابِل في بَدْر، وَوَصَلَ بَدراً وَمَكَثَ فِيْهَا ثَمَانِي لَيَال، وَلَمْ يَلْقَ كَيْداً، وَسُمِّيَتْ ((بَدْراً الصُّغْرَى)) و((بَدْراً الثَّالِثَة)) و((بَدْراً الْمَوعِد)).

وَفي رَبِيْعٍ الأَوَّل، سَنَةَ خَمْسٍ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى دَومَةِ الْجَنْدَلِ فَلَمْ يَلْقَ كَيْداً، وَعَادَ إِلَى الْمَدِيْنَة.

وَفي شَوَّالَ وَقَعَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَق، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّ جَمعاً مِنْ يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ خَرَجُوا إِلَى مَكَّة، وَحَرَّضُوا قُرَيْشاً عَلَى الْحَربِ وَوَعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ النَّصْر، ثُمَّ حَرَّضُوا غَطَفَان، وَوَاعَدُوا القَبَائِلَ حَتَّى بَلَغَ عَدَدُهُمْ عَشَرَةَ آلَفِ مُقَاتِل، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَه في شَأْنِهِم، فَأَشَارَ سَلْمَانُ رضي الله عنه بِحَفْرِ الْخَنْدَق ، فَحَفَرُوه ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ وَنَزَلُوا حَولَ الْمَدِيْنَة، وَنَقَضَتْ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ العَهْد -كَعَادَتِهِمْ- فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ] وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: [هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيْداً] وَظَلَّ الْحِصَارُ شَهْراً لاَ يَصِلُ فَرِيقٌ إَلَى فَرِيْقٍ بِسَبَبِ الْخَنْدَق، وَلَمْ يَجْتَزْ الْخَنْدَقَ إِلاَّ الفَارِسُ عَمْرُو بْنُ ودّ، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه.

ثُمَّ إِنَّ نَعِيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيَّ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخَذِّلَ عَنْه، فَأَوغَرَ صُدُورَ قُرَيْشٍ عَلَى يَهُود، وَيَهُودَ عَلَى قُرَيْش، فَأَصَابَ الفَرِيْقَيْنِ الْخَوَر، وَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ رِيْحاً آذَتْهُم، فَارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ وَخَلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَنِي قُرَيْظَة، فَحَاصَرَهُمْ في حُصُونِهِمْ خَمساً وَعِشْرِينَ لَيْلَة، وَخَيَّرَهُمْ في ثَلاَثِ خِصَال، فَأَبَوا عَلَيْه، وَجَعَلُوا يَسُبُّونَه، ثُمَّ أَمْكَنَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْهُم، فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه ، فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُم، وَتُسْبَى ذَرَارِيْهِم، وَكَانُوا قَرِيْباً مِنْ سَبْعِ مِئَة.

ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ في جُمَادَى الأُولَى وَهَرَبُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبَالِ غُرَان.

ثُمَّ كَانَتْ ((غَزْوَةُ ذِي قَرَد)) وَسَبَبُهَا إِغَارَةُ عُيَيْنَةَ ابْنِ حِصْنٍ في أُنَاسٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَاسْتَنْقَذَ عَامَّتَهَا مِنْه، وَعَاد.

وَفي شَعْبَانَ غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَة، أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ عَلَى مَاءٍ يُسَمَّى الْمُرَيْسِيْعَ عَلَى السَّاحِلِ غَرْبَ قُدَيْد.

وَفي ذِي القَعْدَةِ كَانَتْ ((غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَة)) حَيْثُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أَكْثَر مِنْ أَلْفٍ وَثَلاَثِ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُرِيْدُ العُمْرَة، فَصَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ البَيْت، ثُمَّ تَصَالَحُوا عَلَى أَنْ يَعُودُوا مِنْ عَامِهِم، وَيَعْتَمِرُوا مِنْ قَابِل، وَأَنْ لاَ يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلاَّ في جُلُبَّانِ السِّلاَح، وَأَنْ لاَ يُقِيْمُوا فِيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَث، وَأَنْ يَأْمَنُوا مَا بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِين، وَأَنْ مَنْ شَاءَ دَخَلَ في عَقْدِ قُرَيْش، وَمَنْ شَاءَ دَخَلَ في عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ –وَإِنْ كَانَ مُسْلِماً- فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّهُ إِلَيْهِم، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِيْنَةِ يُرِيْدُ مَكَّةَ لاَ يُرْجِعُونَه، إِلاَّ النِّسَاءَ فَلاَ يُرْجَعْنَ إِلَى الكُفَّار.

ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ رضي الله عنه فَتَعَاهَدَ مَعَ أَصْحَابِهِ رضي الله عنه عَلَى الْمَوت، وَهِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَان، فَبَايَعَهُ جَمِيْعُ الصَّحَابَةِ تَحْتَ الشَّجَرَة، وَبَايَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ رضي الله عنه ، وَسَلَّمَ اللهُ عُثْمَانَ مِنْهُم.

وَفي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَر، وَأَخَذَ يَفْتَحُهَا حِصناً حِصناً، وَخَمَّسَهَا، وَجَعَلَ نِصْفَهَا لِلْمُسْلِمِين، وَنِصْفَهَا لِمَصَالِحِهِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِين، وَصَالَحَ يَهُودَ عَلَى العَمَلِ في الْمَزَارِع، وَأَنْ يُخْرِجَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا مَتَى شَاؤُوا، وَأَهْدَتْهُ يَهُودِيَّةٌ شَاةً مَصْلِيَّة، وَضَعَتْ فِيْهَا سَمّاً وَأَكْثَرَتْ مِنْهُ في كَتِفِهَا، فَأَكَلَ مِنْهَا بِشْرُ بِنُ البَرَاءِ رضي الله عنه فَمَات، وَنَهَشَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَتِفِهَا، فَتَكَلَّمَتْ الكَتِفُ مُخْبِرَةً أَنَّهَا مَسْمُومَة، فَأَثَّرَ السَّمُّ في رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حِيْنِ وَفَاتِه.

ثُمَّ فُتِحَتْ ((فَدَك)) بِدُونِ حَرْب، وَبَعْدَهَا فُتِحَ ((وَادِي القُرَى)).

وَفي ذِي القَعْدَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِراً عُمْرَةَ القَضَاء، وَعَادَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أيَّام.

وَفي جُمَادَى الآخِرَة، سَنَةَ ثَمَانٍ كَانَ ((بَعْثُ مُؤْتَة))، في ثَلاَثَةِ آلاَفِ مُقَاتِل، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ هِرَقْلُ في مَائَتِي أَلف، وَالتَقَى الْجَمْعَان، فَقُتِلَ زَيْدٌ ثُمَّ جَعْفَرٌ ثُمَّ ابْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدٌ رضي الله عنه ، وَانْحَازَ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا جَنَّ اللَّيْلُ كَرَّ بِهِمْ رَاجِعاً إِلَى الْمَدِيْنَة، وَسَلِمَ الْجَيْش.

ثُمَّ إِنَّ خُزَاعَةَ الَّتِي دَخَلَتْ في عَقْدٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَرَتْ بِهَا بَنُو بَكْرٍ الَّتِي دَخَلَتْ في عَقْدٍ مَعَ قُرَيْش، عَلَى مَاءٍ يُسَمَّى الْوَتِير، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ عَلَى غَدْرِهِم، فَانْتَقَضَ العَهْدُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِقِتَالِ قُرَيْشٍ في عَشَرَةِ آلاَفِ مُقَاتِل، وَلمْ تَعْلَمْ بِخُرُوجِهِ قُرَيْشٌ حَتَّى وَصَلَ مَرَّ الظَّهْرَان (الْجَمُوم) فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَعْلَنَ إِسْلاَمَه، وَانْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِالأَمَانِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُو آمِن، وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُو آمِن، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِن.

وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فَاتِحاً، وَكَانَ أَوَّلَ أَمْرٍ صَنَعَهُ تَكْسِيْرُهُ الأَصْنَام.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَماً، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِه وَيَقُول: [جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا] [جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ].

وَلَمْ يَدْخُلْ الْكَعبَةَ حَتَّى مُحِيَتْ الصُّوَرُ الَّتِي فِيْهَا.

وَأَرْسَلَ صلى الله عليه وسلم قَادَةَ جُيُوشِهِ وَسَرَايَاهُ لِهَدْمِ وَحَرْقِ الأَصْنَام في نَوَاحِي البِلاَد، فَهَدَمُوا ذَا الْخَلَصَة، وَسُوَاع، وَالعُزَّى، وَمَنَاة، وَأَرْسَلَ في القَبَائِلِ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعِنْدَهُ صَنَمٌ فَلْيَكْسِرْه، فَجَعَلَ النَّاسُ يَكْسِرُونَهَا.

وَبَعَثَ صلى الله عليه وسلم السَّرَايَا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَم، وَعَفَا عَنْ قُرَيْش.

وَلَمَّا بَلَغَ هَوَازِنَ وَثَقِيْفاً أَمْرُ الفَتْحِ، اجْتَمَعُوا مَعَ قَبَائِلِ الطَائِفِ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ في شَوَّال، وَمَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلفاً، وَالتَقَى الْجَيْشَانِ في وَادِي حُنَيْنٍ بِتُهَامَة، فقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: لَنْ نُغْلَبَ اليَومَ مِنْ قِلَّة ! فَكَمَنَتْ لَهُمْ هَوَازِنُ وَمَنْ مَعَهُم –وَكَانُوا رُمَاةً- وَأَمْطَرُوا الْمُسْلِمِينَ بِسَيْلٍ مِنْ النَّبْلِ حَتَّى اخْتَلَطَ الْجَيْشُ بِبَعْضِه، وَفَرَّ مَنْ فَرَّ مِنْهُم، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى العَدُو، وَأَمَرَ عَمَّهُ العَبَّاسَ أَنْ يُنَادِي في النَّاسِ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَار، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الشَّجَرَة، حَتَّى عَادُوا إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَاجْتَلَدُوا مَعَ هَوَازِن، فَأَلْقَى اللهُ في قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ، فَانْهَزَمُوا، وَأَسَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَفَرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى أَوْطَاس، وَإِلَى الطَّائِف، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّ فَهَزَمَهُم.

ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِف، وَحَاصَرَهُم، وَعَادَ إِلَى الْجِعْرَانَة، فَلَحِقَتْهُ هَوَازِنُ وَأَعْلَنَتْ إِسْلاَمَهَا، فَأَعَادَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّبْيَ، وَاعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَة، وَأَمَّرَ عَلَى الْحَجِّ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ رضي الله عنه .

ثُمَّ أَنْزَلَ تَعَالَى قَولَه [قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَومِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِيْنُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ لِلْخُرُوجِ إِلَى تَبُوك لِقِتَالِ الرُّوم، في رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْع، وَهِيَ الغَزْوَةُ الَّتِي صَرَّحَ لِلْنَّاسِ بِعَزْمِهِ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ العَدُوِّ وَكَثْرَتِه، وَلِبُعْدِ الشُّقَّة، وَقَدْ طَابَتِ الثِّمَارُ في زَمَنِ جَدْب.

وَفي هَذِهِ الغَزْوَةِ أَنْفَقَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَحَمَلَ عَلَى أَلْفِ بَعِيْرٍ، وَمَائَةِ فَرَسٍ في سَبِيْلِ الله، وَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ مُقَاتِل.

وَلَمَّا وَصَلَ صلى الله عليه وسلم إِلَى تَبُوك لَمْ يَلْقَ كَيْداً، وَصَالَحَ صَاحِبَ أَيْلَة، وَأُكَيْدرَ دَوْمَة وَرَدَّهُ إِلَى دَوْمَة.

وَرَجَعَ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِيْنَةِ في رَمَضَان، وَأَمَرَ بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَار.

ثُمَّ قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيْف، فَأَنْزَلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِد، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ يُرِيْدُونَ الإِسْلاَمَ بِشَرطِ أَنْ لاَ يَهْدِمَ الَّلاَت، فَلَمْ يُجْبْهُمْ إِلَى طَلَبِهِم، فَأَسْلَمُوا، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لِهَدْمِ الَّلات، فَهَدَمُوهَا.

وَلَمَّا جَاءَ الْمَوسِمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَمِيْراً عَلَى الْحَجّ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه بِسُورَةِ بَرَاءَة، وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِك، وَأَنْ لاَ يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَان.

وَتَوَاتَرَتْ وُفُودُ قَبَائِلِ العَرَبِ في سَنَةِ عَشْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُذْعِنِيْنَ بِالإِسْلاَم، دَاخِلِينَ في دِيْنِ اللهِ أَفْوَاجاً.

وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذاً وَأَبَا مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى الْيَمَن، وَبَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مُلُوكِ الأَقْطَارِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَم، وَانْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ وَعَلَتْ كَلِمَةُ الْحَقِّ، وَأَعَزَّ اللهُ حِزْبَهُ وَأَذَلَّ الأَحْزَابَ وَحْدَه.

وَلَمَّا كَانَ يَومُ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ مِنْ العَامِ العَاشِرِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَمَنْ حَولَهَا مِنْ القَبَائِلِ قَاصِداً بَيْتَ اللهِ الْحَرَام، وَسَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة، وَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى، وَلَمَّا كَانَ يَومُ التَّروِيَةِ خَرَجَ إِلَى مِنَى، وَخَرَجَ مِنْهَا يَومَ التَّاسِعِ إِلَى عَرَفَة ، وَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَةً عَظِيْمَة، ثُمَّ بَاتَ بِالْمُزْدَلِفَة، وَفي صَبَاحِ العَاشِرِ سَارَ إِلَى جَمْرَةِ العَقَبَةِ فَرَمَاهَا، وَنَحَرَ ثَلاَثاً وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ الشَّرِيْفَة ، وَأَتَمَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه الْمَائة، ثُمَّ حَلَق، ثُمَّ أَفَاضَ بِالبَيْت، وَسَعَى سَعْيَ الْحَجّ، وَخَطَبَ ثَانِي أَيَّامِ النَّحْرِ خُطْبَةً عَظِيْمَة.

ثُمَّ عَادَ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِيْنَة، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى صَفَر، وَبَدَأَ بِهِ وَجَعُهُ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ في أَنْ يُمَرَّضَ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَالصِّدِّيقُ رضي الله عنه يُصَلِّي بِالنَّاس، وَجَهَّزَ جَيْشَ أُسَامَةَ رضي الله عنه لِغَزْوِ الشَّام.

وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضُحَى يَومِ الاِثْنَينِ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّل، وَاخْتُلِفَ في أَيِّ يَومٍ كَان، وَكَانَ عُمرُهُ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً وَسِتِّينَ سَنَةً عَلَى الأَشْهَر، وَجُهِّزَ صلى الله عليه وسلم ، فَغَسَلُوهُ في قَمِيصِه، تَوَلَّى ذَلِكَ عَمُّهُ العَبَّاسُ وَابْنُهُ قُثَمُ وَعَلِيٌّ وَأُسَامَةُ، وَمَولاَهُ شُقْرَانُ رضي الله عنه .

وَكَفَّنُوهُ في ثَلاَثَةِ أَثْوَابِ قُطْنٍ سَحُولِيَّةٍ بِيْض لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْص.

وَصَلَّى عَلَيْهِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّغَارُ ثُمَّ النِّسَاء، وَدُفِنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ الثُّلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://netislamic.alafdal.net
 
المصطفى من سيرة المصطفى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التقافة و العلوم :: المنتديات الإسلامية على مذهب السنة و الجماعة :: الحديث والسيرة النبوية-
انتقل الى:  

Search

Powered By D7omy-Hacker