التراث ومستقبل الأمة ..!
الإسلام هو الديانة السماوية التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى، إلى
النبي العربي، وطلب إليه أن يبلغها الناس . فمصدر هذه الديانة، هو الله
سبحانه وتعالى.أما التراث الإسلامي ، فهو ما ورثناه عن الأسلاف، من نتاج
عقولهم، في تفاعلها مع الإسلام . فمصدر هذا التراث، هو العقل البشري، الذي
حاول أن يتفهم الدين الإسلامي، ويفسره بطرائق مختلفة .
وهنا يجب أن نقرر، بأن ما كان مصدره الله، فلا ينسخه، ولا يغيره، ولا
يبدله، إلا نص آخر صادر، من الذي صدر عنه النص الأول، وهو الله . أما ما
كان مصدره اجتهادات العقول البشرية، فمن الممكن للعقول البشرية، أن تلغيه،
وتستبدل به غيره .
وفي تاريخينا الإسلامي ، وقع خلط بين الدين الإسلامي ومصدره، وبين
التراث الإسلامي، ومصدره. فخصوصية المصدر، أو المنشأ، للشريعة السماوية،
لا تعني أن تعاليم الإسلام، تحول البشر إلى ملائكة ، إنما يظل البشر
بشراً، بمن فيهم من الصالحين، والطالحين . وتظل الأرض أرضاً ، يتنازعها
الخير والشر . غاية ما هنالك ، أن الشريعة السماوية، تطرح حلولاً أعمق
لمشكلات الفرد، والمجتمع ، وتوفر له إمكانية أفضل، لتحقيق الخير، وإقامة
العدل بين الناس . وذلك كله لا سبيل إلى بلوغه، إلا بالناس ، وخضوعاً
لنواميس الكون، وقوانين الأرض، وليس بعصا سحرية، أو معجزات .
فهذا التراث الإسلامي، الذي نعتز به، ليس من صنعنا نحن ، وإنما هو من
صنع أجدادنا، وثمرة تفكيرهم، وعصارة أذهانهم، ولا فضل لنا فيه . بيد أنه
ليس مقدساً ، أو منزهاً عن الخطأ، ولا يجوز أن يتحول إلى حجر عثرة، تعترض
الماشين في سبيل الحياة .
لقد التوت أعناق أجيال متعاقبة من المسلمين، وهم مشدودون إلى الوراء،
منكفئون على الماضي، مشغولون بالذات ، وحجتهم في ذلك كله، أن من يقطع صلته
بما فات، لا رجاء له فيما هو آت . غير أن هناك فرق كبير، بين العاقل الذي
يعتبر بماضية، بما فيه من دروس وعظات لحاضره ، وبين الأحمق، مطموس
الذاكرة، الذي لا يمكن إلا أن يكون عبرة لغيره. وإذا كان أساس الاعتقاد في
الإسلام، هو البحث ، والنظر، والعقل، والدليل ، فإن هذا التراث الإسلامي،
يجب أن لا يقبل على علاته ، ويجب أن ينقل اهتمام الباحثين، من سرد الحوادث
والتواريخ، إلى التفسير والتحليل والتعليل ، ويجب أن تفرد القضايا
الأساسية، وتفحص، ويعين موضعها تعييناً دقيقاً .
وأعتقد أن الماضي،لم يكن إلا لخدمة الحاضر ، وإننا حينما نسترجع، هذا
الجهد الفعلي والأدبي ، إنما نحاول به، أن نجد حاضرنا ومستقبلنا، من خلال
هذا الماضي . إذ يجب أن يكون باعثاً لتجديد هذه الصلة، في عصر اختفت فيه
الحدود، إلا في مظهرها السياسي . هذا يعني أننا يجب أن نفكر، في توظيف
التراث الإسلامي، لبناء المستقبل ، نأخذ رسالة التراث للمستقبل ، فنحن
حضاريون، بكل معنى كلمة الحضارة، سواء كما تمثلت في الماضي الذي درسناه ،
أو في الحاضر الذي تعيشه شعوب العالم، على مستويات مختلفة من التحضير، أو
في المستقبل الذي نعمل، للإسهام في بنائه .
فالحاضر جزء منا، ونحن جزء منه ، رضينا بذلك أم رغبنا عنه ، وعالمنا
الإسلامي، لا يحيا منعزلاً في المجتمع المعاصر ، ومفاتيح العصر من العلم،
والتقنية، والقوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، ليست في يديه . هو
جزء ، مجرد جزء من هذه الخريطة العالمية، ومراكز ثقلها، ليست في أرض
الإسلام ، وعلى الذين يخططون للمستقبل، أن يكونوا على وعي بذلك كله .